ثم استولى الايرانيون على كرمنشاه واطرافها وضموها الى بلادهم، إلا ان القسم الأكبر من كوردستان كان مقسوماً بين الامارات الوطنية، التي كانت تحتفظ بكيانها القومي تارة، وباستقلالها الداخلي تارة آخرى، بالرغم من استيلاء بعض الدول الكبيرة عليها.
وقد استمرت هذه الحالة الى ان اعلن السلطان سليم التركي الحرب على الشاه اسماعيل الصفوي، وانضك الأمراء الأكراد الى السلطان سليم. فمن ذلك اليوم بدأ كوردستان يفقد استقلاله شيئاً فشيئاً.
بالرغم من أن كلا من الأمة الكردية والأمة الفارسية، من الآريين وأنهم من سلالة واحدة، وبالرغم من أنهم كانوا أبناء دين واحد قبل الاسلام وهو دين " زردشت " واخواناً في الدين بعد الاسلام ايضاً، فقد أدى ظهور اختلاف مذهبي بين هاتين الأمتين المسلمتين المتحدتين في الجنس والسلالة، وأعتناق أكثرية الأمة الفارسية الشيعة مذهباً رسمياً لها، وبقاء أكثرية الأمة الكردية على مذهب السنة، أدى ذلك الى نفور طائفي بينهما في العصر الذي كانت العواطف الدينية تسود كل البلاد فيه، وتفوق على كل العواطف البشرية الاخرى. ولم يكن خافياً قط على احد أنه إذا أثيرت عواطف الأكراد الدينية ضد الشاه اسماعيل الصفوي الشيعي، واستميلت قلوبهم الى السلطان سليم السني، فلا شك في أنهم سينضمون الى الأخير ويزحفون على الول بكل حرارة وأخلاص.
وان السلطان سليم الأول الذي أدرك اهمية هذه النقطة قد بادر وهو لا يزال في معسكر " أماسية " الى ارسال علامة العصر الحكيم أدريس البدليسي الذي كان استصحبه معه لقضاء مهام المور، الى أمراء كوردستان الذين يعرفهم حق المعرفة ويعترفون له بالفضل والعلم
وهكذا كان هذا العالم سبباً في نجاح قضية سليم الأول ضد الشاه اسماعيل الصفوي، بفضل ما له من نفوذ لدى الأمراء الأكراد، والاطلاع على عادات الأكراد واخلاقهم. وقد انضم هؤلاء الأمراء بأجمعهم الى السلطان سليم في معركة جالدران الشهيرة وكانوا السبب في إنزال هزيمة منكرة بجيش الشاه اسماعيل الصفوي.
وتعتبر هذه الواقعة المهمة في التاريخ التركي فاتحة انتشار نفوذ الترك العثمانيين في آسيا الوسطى، كما ان نيلهم لقب الخلافة باستيلائهم على مصر الذي جعل لهم كلمة في العالم الاسلامي، هو احدى نتائج هذه المعركة القاسية ايضاً.
وبعد انتهاء هذه المعركة وتمام الانتصار للاتراك، عقدت بفضل مساعي هذا العالم المخلص للسلطان معاهدة بين أمراء كوردستان وبين سليم الأول، مفادها ترك الادارة في كوردستان للأمراء الذين يتوارثون الإمارة، كل في إمارته، حسب القوانين والعادات القديمة. وليس عليهم إلا ان يقدموا جيوشاً مستقلة بادارتهم الى الدولة حينما تشتبك كع احدى الدول الكبيرة في حرب، وان يدفعوا لخزينة الدولة مبلغاً من المال في كل سنة. وهكذا أذعن كوردستان للسيادة العثمانية بموجب هذه المعاهدة، وأصدر السلطان سليم فرمانات مصدقة بأحكام هذه المعاهدة وبتوزيه الهدايا والخلع على الأمراء ورجال الدين. وقد خص الحكيم أدريس البدليسي هذا بهدية عظيمة مع مرسوم سلطاني يعرب فيه عن عواطفه نحو الشيخ، ويخلع عليه ثماني كساوى من التشريفة الكبرى وسيفاً نادراً مقبضه من الذهب الخالص..
فهذا العهد من التاريخ يعتبر مبدأ سعادة الترك وانتشار نفوذهم في آسيا والعالم الاسلامي، كما أنه مبدأ سقوط كوردستان تحت حكم الاتراك، وتوالي النكبات القومية والمصائب الاجتماعية على كوردستان والشعب الكردي البائس الى يومنا هذا..
إعداد رابطة كاوا للثقافة الكردية.
منقول